«دخلت التاريخ في إيطاليا بفريق المساجين، ولهذا السبب غادرته بعد أن حققنا الصعود”
«ألتوبيلي، ليوناردو وسينيوري أصدقائي، وتعلمت الكثير من كابيلو ومارتشيلو ليبي”
«بعض الأطراف حرڤتني في الخارج، وهناك من قال أن زكري يدير البوليتيك”
«السنافر يحبوني ونحبهم، سأشاركهم حفلة الصعود وقد أدرّب السياسّي يوما”
«ليس لي أي مشكل مع أنصار الكاب، والبعض فهموني خطأ بعد نهائي الكأس”.
كيف كانت بداياتك مع فريق المساجين؟
لا أنكر أن بدايتي كانت صعبة جدا، خاصة أنه كان يتوجب عليّ أن أوفق بين هذا الفريق وفريق بريرا الذي بقيت أنا مدربه الأول، كنا أنا رفقة طاقمي الفني والطبي نشرف على تدريبات هذا الفريق على الساعة 11:00 صباحا ثم نتحول بعدها للإشراف على فريق بريرا، هذا ما أرهقني نوعا ما خاصة أنني لم أعرف الراحة حتى في أيام العطلة بما أن “فريق المساجين” كان يلعب يوم السبت ومباريات الدرجة الثالثة تبرمج يوم الأحد.
كيف كنت تتعامل مع المساجين من أصحاب السوابق العدلية؟
الحمد لله أن زكري لديه قدرة كبيرة في الاتصال بلاعبيه، وهذه نقطة قوتي أيضا، فرغم أن عدد لاعبي الفريق كانوا 44، إلا أنني نجحت في ترسيخ الانضباط داخل المجموعة، أتذكر أنني قلت لهم لأول مرة أنني جئت لأساعدهم على تحسين نتائجهم وليس لتربيتهم لأن “اللي قتل ثلاثة أرواح، ما عندك ما تربي فيه”، هددت كل لاعب يتعدى الخط الأحمر أن أبعده نهائيا من الفريق ويصبح لا يغادر زنزانته إلا مرة واحدة في الأسبوع، هذا ما أرهبهم وجعلهم يتفهمون الأمر جيدا، كما أنني قسمت المجموعة إلى ثلاثة أفواج وأكدت لهم أن الأحسن هو الذي يلعب وزكري لن يظلم أحدا.
وماذا كانت نتيجة العمل الذي قمت به مع هذا الفريق؟
كما صرحت لك مرات عديدة، فإن المدرب نور الدين زكري لم يتعوّد على لعب الأدوار الثانوية أو لأجل تفادي السقوط فقط، فرغم أنني وجدت الفريق في المراتب الأخيرة إلا أنني نجحت في إعادة الفريق إلى الواجهة تدريجيا، حققت معه رقما قياسيا (13 مباراة دون خسارة) وصعدنا في النهاية، لم أنس لحد الآن بعدما لعبنا مباراة فاصلة وحققنا الصعود، أننا عشنا لحظات تاريخية لا تنس. هؤلاء اللاعبون حملوني فوق أكتافهم وهناك من أجهش بالبكاء، رغم أنني لم أكن أظن أن هؤلاء لديهم عواطف ويبكون.
وهكذا دخلت التاريخ وقدت أول فريق مساجين إلى القسم الأعلى، أليس كذلك؟
هذا أكيد، لقد أحدث هذا الفريق ضجة كبيرة جدا في إيطاليا وأصبحت مختلف القنوات الرياضية والصحف المكتوبة تتابع أخباره أسبوعيا، لم يكن أحد يتوقع أن فريقا مكونا من مساجين يخطف الأضواء من فرق كبيرة في شمال إيطاليا، بعد صعودنا خصصت القناة الرياضية الشهيرة “لاراي” ساعتين كاملتين للحديث عن إنجازنا ولم يعد هناك من لم يعرف زكري هذا الجزائري الذي رسم مشروعا جديدا.
ولكن لماذا غادرت هذا الفريق بعد صعودكم مباشرة؟
لمّا وافقت على عرض المسؤولين في بادئ الأمر اتفقت معهم على مساعدة الفريق فقط، ولم أوقّع أي عقد معهم، لذلك قررت أن أترك هذا الفريق ليجلبوا له مدربا كبيرا، لأنه يستحيل عليه أن يبقى بمدرب مؤقت في الدرجة الرابعة خاصة أن عقدي مع فريقي “بريرا” لم ينته بعد، كما أن هناك سببا آخر جعلني أفضل أن أنسحب من الفريق.
عن أي سبب تتحدث؟
بعد صعود الفريق إلى القسم الأعلى قرر المسؤولون على بطولة درجة الهواة، تغيير نمط المباريات بالنسبة له، حيث كان في الدرجة السفلى يخوض كل مبارياته داخل السجن ذهابا وإيابا ولكن الأمور تغيرت بعد ذلك، وتقرر أن يصبح المساجين يتنقلون إلى ملاعب الفرق المنافسة لكن وزارة العدل الإيطالية رفضت أن تمنح رخصة الخروج للمحبوسين المحكوم عليهم بالمؤبد أو بقيت لهم مدة طويلة لاستنفاد العقوبة خوفا من هروبهم، ولم يكن يلعب خارج القواعد إلا اللاعبين الذين تبقى لهم شهران أو ثلاثة في السجن، هذا ما أضعف الفريق وأصبح يخسر بنتائج ثقيلة ولذلك لم أندم على مغادرته.
قلت لنا منذ قليل أنك تمدرست على يد عدة مدربين إيطاليين كبار، فكيف كان ذلك؟
حدث ذلك في صائفة 2004، لما أجرينا تربصا في منطقة كوفيرتشيانو الإيطالية، لقد كنا نتلقى محاضرات من كابيلو، مارتشيلو ليبي، أريڤو ساكي وعدة مدربين كبار في إيطاليا، كنت أدرس أيضا مع ليوناردو مدرب أنتر الحالي الذي ما زلت على اتصال دائم به، أرتوبيلي محلل قناة الجزيرة الرياضية حاليا والنجم الأرجنتيني السابق سينيوري. الحمد لله أنني كنت خير سفير للمدرب الجزائري وكنت أفتخر جدا لما يسألني واحد من هؤلاء من أين أنت وأقول له بالحرف الواحد “أنا جزائري”.
قلت لنا منذ قليل أنك “تحڤرت” كثيرا في الجزائر، فلماذا عدت إليها ووافقت على تدريب الوفاق؟
صحيح أنني غادرت الجزائر إلى إيطاليا بسبب الحڤرة والتهميش اللذين عانيت منهما، ولكن لم أقل يوما أنني سأغلق الباب أمام أبناء بلدي، لقد كان هدفي الأسمى دوما أن أخدم وطني وأقدم له ما تعلمته في الغرب، والحمد لله أن الفرصة جاءتني، لما تنقلت إلى الجزائر لقضاء عيد الأضحى المبارك مع عائلتي الكبيرة في باتنة جاءني اتصال من سرار نفسه وعرض عليّ تدريب الوفاق، اتفقنا على كل الأمور في ظرف قياسي وباشرت مهمتي.
هل صحيح أن وزير الاتصال السابق عز الدين ميهوبي هو الذي كان الوسيط بينك وبين سرار؟
أجل لا يمكنني أن أنكر هذا، فعز الدين ميهوبي صديق عزيز وهو من حدّث سرار عني لمّا وجده عازما على تغيير المدرب بعد أن خسر نهائي كأس الكاف في مالي، والحمد لله أنني لم أخيّبه وحققت نتائج كبيرة جدا مع الوفاق في كأس شمال إفريقيا، في دوري أبطال إفريقيا، في البطولة وفي كأس الجزائر، وهكذا لم يندم لأنه إقترحني على سرار.
ورغم أن النتائج الكبيرة التي حققتها مع الوفاق إلا أن سرار أقالك مباشرة بعد الهزيمة أمام ديناموس في دوري أبطال إفريقيا، فهل تعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل مسؤولي الوفاق يسحبون منك ثقتهم؟
صدقني أنني لم أتجرع لحد الآن الطريقة التي أبعدت بها من الوفاق، لأن سرار بذلك حطم حلمي في بناء فريق كبير كنت سأقوده للتتويج بدوري أبطال إفريقيا، حطم حلم مدينة سطيف بأكملها، أما فيما يخص سؤالك فأؤكد أن إبعادي لا علاقة له بهزيمتنا أمام ديناموس لأن سرار في حد ذاته كان مقتنعا أن أسباب الهزيمة منطقية لأننا لعبنا في رمضان تحت تأثير الصيام وفي غياب عدة عناصر مؤثرة، ولكن المسؤول الأول كان يبحث لي عن سبة حتى يتخلص مني نهائيا.
ولماذا تعتقد أن سرار كان يريد أن يتخلّص منك؟
هذا الأمر واضح وضوح الشمس، بعض الأشخاص لم يتحملوا كيف جاء زكري من وراء البحر وصنع لنفسه اسما في ظرف قياسي، أصبح محبوبا في وسط جمهور الوفاق الذي أصبح يتغنى به ونسي حتى اللاعبين. أنا لدي قناعة واحدة وهي أن المدرب لا يمكنه أن ينجح إلا إذا عرف كيف يجعل الجمهور في صفه، واللاعبين أيضا، وهذا ربما ما أقلق سرار الذي يقول اليوم للناس أن زكري تخلى عني، ولكن الواقع أنه هو الذي تخلى عن زكري ولو كنا اليوم يدي في يده لما وصل الفريق إلى هذه الحالة.
وهل يمكن القول أنك طويت صفحة سرار والوفاق بعد التحاقك بالمولودية؟
التاريخ الذي كتبته في سطيف لا يمكن لأي شخص أن يدفنه، الحمد لله أنني عرفت الرجال في سطيف وما زلت أحمل هذه المدينة في قلبي، مشكلتي الوحيدة كانت مع المسيرين، لا أنكر أن فضل سرار عليّ كبير جدا بما أنه هو أول من وضع ثقته فيّ ومنحني فرصة اقتحام عالم التدريب في بلدي، لكن حتى أنا لم أخيّب والنتائج كانت معي، لم يبق بيني وبين سرار سوى مستحقاتي التي لن أتنازل عنها، وهي عرق جبيني الذي تعبت عليه، المهم الآن القضية اليوم في العدالة ولديّ محامي الخاص هو الذي يتابع المستجدات وكل كبيرة وصغيرة.
لكن رغم النتائج الكبيرة التي حققتها مع الوفاق، إلا أنك بقيت 7 أشهر تقريبا دون عمل بعد إقالتك من تدريبه، فبماذا تفسر هذا الأمر؟
«هاذي حكاية أخرى”، بقائي لمدة طويلة دون عمل لم يكن بسبب عدم حصولي على عروض وإنما أنا الذي كنت أتصل بمناجيري ووضعت شروطي للنادي الذي أعمل فيه، لقد كان شرطي الرئيسي هو أن يكون الفريق يلعب منافسة قارية في أي بلد، صدقني أنه قد طلب خدماتي 14 فريقا بين من هو جزائري وفرق من شمال إفريقيا كبيرة جدا وحتى رئيس مازيمبي كان يريدني، لكن المفاوضات تعثرت، لكن أود أن أركز على نقطة مهمة جدا في هذا الجانب.
تفضل..
هناك بعض الأندية التي تتوفر على الشروط التي وضعتها سارت معها الأمور بشكل صحيح ولم يبق بيني وبينهم سوى إمضاء العقد ومباشرة مهامي مثلما حدث مع فريقي الإتحاد الليبي والترجي التونسي بعد إقالة البنزرتي، لكن هذه النوادي كانت تتراجع عن التعاقد معي في آخر لحظة بسبب بعض الأطراف التي كانت تتصل بها لأجل تلطيخ صورتي.
وما هي مصلحة هذه الأطراف لمّا تلطخ سمعتك؟
حتى أنا لم أكن أعلم من هي هذه الأطراف وما الذي تريده مني، تصوّر أنهم كانوا يتصلون بمسيري النوادي التي تطلبني ويقولون أن زكري تاع بوليتيك، زكري يشكل خطر على أمن البلاد وأشياء أخرى لا علاقة لها بالحقيقة، لكن الحمد لله أن زكري لم يتأثر إطلاقا، والوقت وحده كشف لي من هم هؤلاء الأشخاص الذين كان يقلقهم نجاحي.
وكيف قضيت تلك الأشهر بعيدا عن عالم التدريب؟
لقد قضيتها في طاعة الله، والأعمال الخيرية لأنني كنت أبحث عن تجارة تنجيني يوم القيامة بعدما فقدت الأمل في دنيا فانية، كنت أقضي معظم وقتي في مسجد أول نوفمبر، أؤدي صلواتي، أقرأ القرآن، أزور المرضى في المستشفيات والمسنين في دور العجزة، لم أكن مهتما تماما بما تكتبه الجرائد ولو أنني أظهر إعلاميا أحيانا لأرد على ما يقوله عني سرار وجماعته، كما أنني كنت أتصل من حين لآخر بمناجيري بوڤرة لأسأله إذا كان هناك جديد.
وجاءت ساعة الفرج بعدما اتصل بك مسؤولو العميد الذين طلبوا منك مساعدتهم لإخراج الفريق من الوضعية الصعبة، أليس كذلك؟
لا أنكر أن المولودية هو فريق القلب الذي أحمله في قلبي منذ أن كنت صغيرا، لم أنس لحد اليوم كيف خرجت إلى الشارع أحمل العلم الجزائري وأحتفل بفوزه بكأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 76، تاريخ هذا الفريق جعلني أتعلق به كثيرا منذ صغري، كنت أحلم باللعب له لكن كرمالي حرمني من ذلك، وقلت في قرار نفسي أنه يجب أن أترك بصماتي في هذا الفريق كمدرب بعدما عجزت عن ذلك كلاعب، ولذلك فأول ما قلته لغريب بعدما أتصل بي وهو في طريق العودة من الشلف بعد الخسارة أمام البليدة “يا عمر راني معاك، كي توصل بخير إلى العاصمة ربي يديرلها حل”.
لكن هناك بعض المصادر تقول أن غريب كان على اتصال بك حتى قبل إقالة المدرب ألان ميشال..
أنفى هذا الكلام نفيا قاطعا، وليس من عادتي أن أقوم بهذه الممارسات احتراما لزملاء المهنة، لكن ربما أن غريب كان يتحدث من حين لآخر مع مناجيري ويسأله عني، كما أنني كنت أتوقع أن فرصتي قد تأتيني ما دام أن وضعية الفريق كانت تسير من سيء لأسوأ، ولذلك تابعت مباريات الفريق أمام المخادمة في الكأس وأمام القبائل في البطولة حتى أأخذ فكرة بسيطة عن الإمكانيات الفردية والبشرية للفريق.
قلت منذ قليل أن مولودية الجزائر هي فريق القلب، رغم أن الكل يعلم أنك من عشاق مولودية باتنة، فكيف ذلك؟
مولودية باتنة فريق القلب، وهو الفريق الذي تربيت فيه وأنقذني من طريق الانحراف وأنا صغير لذلك فأنا أعشقه منذ صغري، أما بالنسبة للمولودية العاصمية فالأمر مختلف تماما، هذا الفريق أحبه لأنه العميد، صاحب التاريخ العريق، أقسم بالله أنه الفريق الوحيد الذي كنت أملك قميصه الخاص في إيطاليا بعد أن أهداه إليّ أحمد مسعودي عند مجيئه إلى إيطاليا لإجراء العملية بمساهمة جريدتكم، تصوّر أنه في إحدى مباريات فريقي الإيطالي “بريرا” كنت أوجه الفريق من مقعد البدلاء بقميص المولودية وأملك الصورة التي تثبت ذلك.
وماذا عن الكاب؟
الكاب هو الفريق الثاني في المدينة التي أقطنها، ولا أنكر أنه فتح لي أبوابه لمّا عانيت الحڤرة في البوبية، لقد كنت أذكره دائما بالخير وأقول أن الكاب هم أبناء الأوراس ويمثلون النيف الشاوي اللي عمرو ما يطيح، لكن لم أفهم لماذا أرادوا أن يصنعوا لي مشكلة الموسم الفارط من العدم بسبب تصريح صحفي فهمه البعض بالخطأ، يجب أن يفهم الكابيست أن زكري يمثل اليوم ولاية باتنة بأكملها وليس منطقة معينة أو فريقا محددا.
وما هو الفريق الذي تتمنى أن تدربه مستقبلا؟
أنا من المدربين الذين يحبون الفرق ذات القاعدة الشعبية الواسعة والذي لديه جمهور يقف إلى جانبه في السراء والضراء، لذلك لا يمكنني أن أحلم بتدريب أكثر من المولودية والوفاق، لكن الجمهور الذي أحبه كثيرا ويحبني هو أيضا السنافر، لقد وعدتهم أنني سأكون حاضرًا معهم في حفلة الصعود إذا لم تكن لي التزامات مع فريقي، وسأفي بوعدي كما أنني واثق أنني قد أدرب شباب قسنطينة العريق يوما.
ما الذي تريد أن نختم به هذا الحوار؟
أجدّد شكري لكم على تنقلكم لأجلي إلى باتنة من العاصمة، وهكذا أثبتنا أنه لا يوجد أي مشكل بين زكري و«الهدّاف” كما تحاول بعض أبواق الفتنة زرعه، كما أدعو أصحاب القلوب الرحيمة أن يساعدوا الطفل أمين لإجراء العملية في فرنسا وأجرهم على الله.